الجسد والسلطة، ومجتمعات الرقابة

لمى قنوت


لا يقتصرُ السجلُ الحافل للنظامِ السوريِّ على جرائمِ الحربِ والجرائمِ ضدَّ الإنسانيةِ التي ارتكبها بحق المجتمعاتِ التي ثارت على حكمِه، بل يمتدُ ليشملَ بنيتهُ التسلطيةَ العنيفة التي تشعبتْ في كلِّ مناحي الحياة، فقد رسَّخَ الاستبداد العنيف الهيمنةَ الذكوريةَ في الحيزِ العامِّ والخاصّ؛ ففي الحيزِ العام استبدادٌ سياسيُّ، وفي الحيزِ الخاصِّ استبدادٌ دينيّ (ممثلاً بفقهٍ ذكوريٍّ، هو مرجعيةُ التشريعِ وفقَ المادةِ الثالثةِ من الدستور) إضافةً إلى العرفِ، وقد شكّلا معاً دوائرَ تمييزٍ وعنفٍ طالتْ الأقل حمايةً قانونيةً في المجتمعِ. كما سمحت العلاقةُ الوثيقةُ بين السلطةِ السياسيةِ والسلطةِ الدينيةِ بجعلِ العنفِ القائمِ على النوعِ الاجتماعي مقبولاً ومسكوتاً عنه، وغالبيةُ ضحاياه يلتزمونَ الصمتَ كجزءٍ من منظومةِ ثقافةٍ راسخةٍ في انعدامِ العدلِ المعمّمةِ وسياسةِ الإفلاتِ من العقاب. تفاقمَ كلُّ ذلكَ بعدَ سيطرةِ ميلشياتٍ تحملُ أيديولوجيا قمعية تتنازعُ على السلطةِ والمواردِ

ورغمَ تفاوتِ دينامياتِ العنفِ وتقاطعاتها وتداخلاتِ عواملَ مختلفة مثل الطبقةِ والمكانِ الجغرافي والجنسِ والعرقِ والنشاطِ السياسي والاقتصادِ والدين، إلا أنها جعلتْ العنفَ تجاه النساءِ في مرمى تركيزهم للتأكيدِ على سلطتهم ونفوذهم في الحيزينِ العامِّ والخاصّ


سلطةُ مجتمعاتِ الرقابة

تتسمُ المجتمعات التقليدية التي تختفي فيها اسماء النساء من شجرة العائلة وفي النعوات (باستثناء إن كانت المتوفاةُ امرأة)، والتي ترزح تحت الاستبداد المديد بالانغلاق نتيجةَ الشكِّ والريبةِ من الآخر، التعصب، مقاومةُ التغييرِ، كرهُ الحرياتِ الفرديةِ، التمسكُ بعاداتٍ وأعرافٍ بالية، التماهي مع الخطابِ السائدِ تجاه علاقةِ الفردِ مع جسدهِ ومع أجسادِ الآخرين، وتلتفُّ منظومةُ العيبِ حولَ رقابِ الأفرادِ من الطفولةِ وحتى الموت، ويتحوّلُ المجتمعُ المقموعُ إلى مجتمعِ رقابةٍ، يُخْضِعُ أفرادهُ إلى عمليةِ انضباطٍ صارمة وقواعدَ للقبولِ الاجتماعي، وغالباً، تنتظمُ الأجسادُ مراقِبةً لذاتها ملتزمةً بالحدودِ والضوابطِ ليس خوفاً من العقابِ والتمييزِ والعنفِ فقط بل طمعاً في المكافأةِ والثناء، و يتقاطرُ الانتهازيون/ ات للانضواءِ تحتَ تلكَ القواعد، والتي تزيدُ حتماً من قوةِ الهيمنةِ الذكوريةِ المدعومةِ بعنفٍ قانونيٍّ، وتعليمٍ مؤدلجٍ تلقيني، وإعلامٍ يجذّرُ التنميطَ والتمييزَ ويرسّخهما.

تخترقُ الرقابةُ في هذهِ المجتمعات خصوصيةَ الفردِ وحريتهُ في أفكارهِ وضميرهِ وجسدهِ، وتصنفهُ، وتضعُ معاييرَ للجمالِ والعفةِ والانضباطِ والذكاءِ والزوجةِ/ج الصالحةِ/ح ومواصفاتٍ للولدِ البارِّ ذكر/أنثى، أما معاييرُ وسماتُ الرجولةِ والأنوثةِ فكثيرةٌ: الملبسُ وألوانهُ، الضحكةُ، طريقةُ الجلوسِ، التخصصُ الجامعيّ، العملُ، النظافةُ والترتيب…إلخ، بالمحصلةِ معاييرٌ جندريةٌ وجنسانيةٌ صارمةٌ.

مجتمعاتُ الرقابةِ تُملي على الفردِ، ذكراً كان أم أنثى، شكلَ وإطارَ العلاقةِ مع جسدهِ/ها، خجلاً أو/ و خوفاً- حباً أو كرهاً- قبولاً أو رفضاً ومن ثم قد يكون تصحيحاً (عملياتُ التجميلِ) خضوعاً لسلطةِ ثقافةِ الجسدِ النموذجِ المعولمِ، وتتدخلُ سلطةُ المجتمعِ في حدودِ ملكيتنا لأجسادنا، أو تلغيها تماماً،  وتُصَنِّفُ الأجسادَ الشرعية، المغطاةَ بشكلٍ جزئيٍّ (الحجاب) أو كليٍّ، كشرطٍ ضروريٍّ ولازمٍ للقبولِ الاجتماعيِّ وترفعهُ للمراتبِ العليا.

ومن نافلِ القولِ، حقُّ الإنسانِ في اختيارِ ملبسهِ وحريةِ أفكارهِ وضميرهِ وجسدهِ، لكن أن تتحوّلَ منظومةُ الفرزِ هذهِ إلى وسيلةٍ وأداة، حرةٌ أم مجبرةٌ، إلى انصياعٍ لإعادةِ تشكيلِ الجسدِ ورسمِ حدودهِ وفهمِ وصياغةِ معانيهِ لقبولهِ أو نبذهِ اجتماعياً، مثلَ المصطلحاتِ التي تخرجُ من عباءةِ تلكَ المجتمعاتِ “علمت علي/ عليها” كوشمٍ أبديٍّ لوصمةِ عارٍ يلازمُ هذا الجسدَ ويضعهُ أسفلَ السلمِ الاجتماعيّ.


الجسدُ والسلطةُ

أخضعتْ السلطُ الاستبداديةُ السياسيةُ والدينيةُ والاجتماعيةُ الجسدَ إلى منظومةِ إخضاعٍ ونفيٍ وقهرٍ، لكنَّ الأجسادَ المسيّجةَ صنعتْ تاريخاً جديداً بعدَ ثوراتِ الربيعِ العربيّ، وظهرتْ أجسادُ الثوارِ/ ئرات أثناء احتشادها جسداً واحداً متناغماً ينادي بالحريةِ وبإسقاطِ النظامِ، فكان مطلوباً إسكاتُ جلبتها وتحطيمها وتجويعها وتعذيبها لإعادةِ ضبطها، كانَ في تحويلها من أجسادٍ متمردةٍ إلى أجسادٍ مرقمةٍ في ثلاجةٍ أو في مرمى عدساتِ التصويرِ للتوثيقِ. المفارقةُ، أنه حتى في الموت؛ تراصفتْ الأجسادُ المعَذبةُ في صورِ “سيزر/القيصر”1؛ وعندما خُنقت بالكيماوي، على سبيلِ المثالِ في مجزرةِ الغوطة2.

بالمقابل، قّدمتْ السلطةُ نفسها على أنها جسدٌ واحد، خطابٌ واحد، يتجسدُ رمزهُ برأسِ السلطةِ، بشار الأسد. الانتشارُ الكثيفُ والأحجامُ الكبيرةِ لصورِ ومنحوتاتِ رأسِ السلطةِ ورمزها، والموجودةُ في المؤسساتِ والشوارعِ والساحاتِ هي إحدى الأدواتِ لترسيخِ الحضورِ الدائمِ لجسدِ السلطةِ المهيمنةِ المُراقِبةِ، وكرّستْ أدواتهُ التشبيحيةُ الإجراميةُ فحولتها بأجسادٍ وعضلاتٍ ضخمةٍ ومدججةٍ بالسلاحٍ، ووجوهٍ قاسيةٍ ومرعبة3، حرصتْ في كلِّ مكانٍ تدمرهُ وتنهبهُ أن تكتبَ على جدرانهِ “من هنا مروا شبيحةُ الأسدِ 4” وأدخلوا في سرديةِ خطابهم العنيف عباراتِ “سحق، تطهير”.

وحوّلتْ البراميلُ المتفجرةُ سورية إلى مسرحِ تعذيبٍ يشبهُ استعراضَ التعذيبِ قبلَ القرنِ الثامنِ عشر التي تباهت بمنصاتِ الإعدامِ والأجسادِ المصلوبةِ والمشانقِ المنصوبةِ في الساحاتِ، بما فيها منظرُ الجلادينَ لمزيدٍ من إضفاءِ الرعبِ مع تطورٍ جديدٍ للمشهد، أفرزتهُ التكنولوجيا، وهم يلتقطونَ الصورَ مع بقايا أجسادٍ قطعوها 5، كما فعلَ “عصام زهر الدين” الذي كان يصرُّ على إظهارِ فحولتهِ بتصويرِ نفسهِ وهو يجرُّ جنزيرَ دبابةٍ6،  كلُّ ذلك كانَ رداً على اهتزازِ صورةِ ومكانةِ السلطةِ ورمزها الذي أحدثتهُ الثورة.

لم يملكْ الأسدُ الابنُ أيَّ قدرةٍ أو إمكانياتٍ لصناعةِ نفسهِ كرمزٍ لسلطةِ الأبِ المركزيةِ كما صنعها والدهُ “الأبُ القائدُ، الأبُ المناضلُ، الأبُ الخالدُ” “رمزُ الأمةِ العربية”، وحافظَ فقط على استمراريةِ شعارِ خلودِ الأسديةِ الأبدي، وبضمنها التركيزُ على كنيتهِ “الأسد” كزعيمٍ وملكٍ أوحدَ لغابتهم.

بعدَ سحقِ حلب بدأ الترويجُ لصورةٍ أموميةٍ لجسدِ السلطةِ، عبرَ فيلمٍ دعائيٍّ لأسماءِ الأسد حملَ عنوان: “أمّ الكل”7 في تلاعبٍ على المعاني، يدفعُ المتلقي للتساؤلِ: من هي أمّ الكل؟ أهيَ أسماء الأسد أم سورية؟!

تجسدُ أسماء في الفيلمِ المذكورِ سطوةَ السلطةِ الحاكمةِ وغرورها وفوقيتها على النساءِ المستضعفاتِ الثكالى، التي استقبلتهنَّ واقفةً أعلى درجِ القصرِ، هنَّ في الأسفلِ، يحملنَ صورَ شهدائهن، يصعدنَ الدرجَ لتلقي عليهنَّ التحية. ثم تتتالى المشاهدُ وهي تلقي خطبةَ النصرِ، تقفُ وحدَها في منتصفِ الشاشةِ تارةً، وتارةً أخرى تظهرُ من خلفيةِ رؤوسِ الثكالى كمجاميع/ أرقام لا نسمعُ من أصواتهنَّ إلا همهماتٌ جماعيةٌ، أما حينَ ترصدُ الكاميرا صورهنَّ فلا تكونُ الصورةُ إلا جماعيةً… أجسادٌ لمجموعاتٍ يحركنَ رؤوسهنَّ إلى الأسفلِ بحركةٍ آليةٍ موافقاتٍ ومؤيداتٍ لخطبتها.

لم ينجحْ الأسدُ الابن في الترويجِ للبواتهِ “لبواتُ الأسدِ”8، كقناصاتٍ ومقاتلاتٍ، ولم يهتم الإعلامُ الغربيُّ بهنَّ كما احتفى بوحداتِ حمايةِ المرأة، المقاتلاتُ المنتصراتُ، اللواتي هنَّ أيضاً يخضعنَ لسلطةِ أبٍّ قائدٍ آخر، ويرددنَ: “حريةُ القائد الكردي عبد الله أوجلان تعني حريةِ المرأة”9  و”لا حياة بدون القائد”10 و “نحنُ لا نريدُ حريةَ المرأة بدونِ حريةِ القائدِ عبد الله أوجلان”11، اللواتي يضرمنَ النارَ بأجسادهنَّ كرمى لجسدِ السلطةِ في مناطقِ سيطرتهم “القائد آبو – أوجلان”،  كما فعلت على سبيلِ المثالِ “هيفيدار سرحد” التي أضرمتْ النارَ في جسدها بتاريخ 15 شباط 2016 “استنكاراً للمؤامرةِ الدوليةِ على قائدِ الشعبِ الكردي عبد الله أوجلان”12، وتوفيت على إثرها في 6 نيسان، وأقامتْ لها وحداتُ حمايةِ الشعبِ والمرأة عرضٌ عسكريّ، وجاءَ في بيانهم الذي اعتبرَ أنَّ الشهيدةَ هيفيدار تحوّلت إلى شعلةٍ من نورٍ حولَ القائدِ آبو: “هذا القائدُ الذي سجنتهُ الدولةُ التركيةُ لإخمادِ نارِ الثورةِ في كردستان”، وأضافَ البيانُ أن هذا هو السببُ الذي “دفعَ الكثيرَ من الفتياتِ الكردياتِ إلى التمردِ بإضرامِ النيرانِ بأجسادهنَّ الطاهرة…”13.


ثلاثيةُ الجسدِ المنضبط

تعيدنا صورُ التعذيبُ وأنماطهُ ومنهجيتهُ التي ارتكبها النظامُ السوريُّ تجاهَ محكوميهِ المتمردينَ/اتِ على “سلطتهِ الأبديةِ” أو التي يريدُ تأبيدها، إلى علاقةِ السلطةِ بالجسدِ، فالجسدُ يقعُ ضمنَ حيزِ السلطةِ السياسيةِ والدينيةِ، التي تخضِعُهُ بالعنفِ، سواء كان مادياً أو رمزياً أو نفسياً، لعقابهِ وتأديبهِ أو لتحييدهِ.

إنَّ ثلاثيةَ صناعةِ الجسدِ المنضبطِ والخاضعِ لبنى الهيمنةِ؛ يلزمهُ بالضرورة

أولاً: مجتمع يملكُ سلطةَ الرقابةِ ويصنفُ الناسَ؛ جيد/ سيئ، وطني /عميل، مؤمن/ كافر، فاضلة وعفيفة/ متمردة وعاهرة، كامل/ ناقص، متسلط/ راضخ، زعيم/ تابع …إلخ.

ثانياً: قوانين لقمعِ الأجسادِ والأفكارِ وحبسِ الأنفاسِ والحرياتِ وتغييبِ الحقوقِ

ثالثاً: سلطة متغولة متوحشة لها قطيعٌ من المراقبينَ/ المخبرينَ يتغلغلونَ في الحيزِ العامِّ، وفي كثيرٍ من الأحيانِ في الحيزِ الخاصّ، لتشعرَ برهبةِ السلطةِ الحاضرةِ والمحسوسةِ التي تراقبُ بشكلٍ مستمرٍ ومتواصلٍ.

حصيلةُ هذه الثلاثيةِ أفرادٌ/ مجتمعاتٌ تذوبُ في خطاباتِ الديكتاتورِ والفقهاءِ، ويغيبُ إعمالُ العقلِ والحوارُ، ويسودُ التحجّرُ والجمودُ، ويحضرُ الخواءُ والتخوينُ والتكفيرُ والتحريضُ والعنفُ في كلِّ مكانٍ، ويتسيّدُ شُطارٌ انتهازيون ونِّحَلٌ غوغائيةٌ، ويُنصّبُ السفيهُ والجاهلُ في مراكزِ القرارِ، وينزوي ذو المعرفةِ والعلمِ والخبرةِ في زوايا النسيان.

وكما يدفعُ الاستبدادُ السياسيُّ إلى صدارةِ منظومةِ القمعِ النساءَ والرجالَ الأكثرَ انضباطاً وولاءً للطبقةِ القامِعةِ، تُعلي مجتمعاتُ الرقابةِ من شأنِ الخاضعاتِ/ينَ لسماتها، أما المتمرداتُ/ونَ على منظومةِ القمعِ وغيرُ المصنفاتِ/ينَ ضمنَ معايير منظومةِ الفحولةِ، فيتمُّ تحويلهمْ إلى أقليةٍ؛ في أحسنِ الأحوالِ منبوذينَ وفي أسوأها مضطهدينَ و مُعنَفينَ ومصنفينَ في قاعِ السلمِ الاجتماعيِّ المتخيّل.


هتكُ حرمةِ الجسدِ عبرَ عنفِ القوانين

تعكسُ الدساتيرُ والقوانينُ علاقات الهيمنةِ للسلطةِ، وما تحليلها إلا لكشفِ أبعادِ تلكَ الهيمنةِ ودلالاتها

في سورية، كرّسَ الدستورُ والقوانينُ العنفَ المؤسسَ والمنظّمَ للتراتبيةِ والهرميةِ داخلَ المجتمعِ ولسلسلةِ الثنائياتِ التي تطوقُ كلَّ جنسٍ

وبقدرِ ما أصرّت السلطةُ السياسيةُ الاستبداديةُ خلالَ الثورةِ على هتكِ الجسدِ والكرامةِ، للنساءِ والرجالِ، إلا أنَّها مع السلطة الدينية عملتا على دسترةِ  الطاعةِ وقوننةِ الاضطهادِ واستباحتا جسدَ المرأةِ عبرَ إخضاعهِ لقوانينَ جذّرتْ أعرافاً وأحكاماً دينيةً تعتبرهُ شرفاً ذكورياً وملكاً لحراسِ الفضيلةِ والعفةِ، ذكور العائلة/ القبيلة، وجبَ إخضاعُه وضبطهُ، يتمثّلُ ذلكَ على سبيلِ المثالِ في قانونِ العقوبات: “للمحافظةِ على شرفِ إحدى فروعهِ أو قريباتهِ حتى الدرجةِ الثانية” (المادة 531)، أو في إفلاتِ المغتصبِ من العقابِ إذا تزوجَ الضحيةَ، كما يتجسّدُ أيضاً في قانونِ الأحوالِ الشخصيةِ العامِّ الذي أقرَّ انتهاكَ خصوصيتها وحرمةَ جسدها بمراقبةِ طمثها (المادة 121)، والحَجْرَ عليها من خلالِ مفهومِ “العدة” الذي أفردَ له القانونُ ذاتهُ أحكاماً وموادَّ متعددة.

يستندُ جوهرُ قوانينِ الأحوالِ الشخصيةِ إلى الهيمنةِ على الجسدِ لضبطهِ إن استعلى، من خلالِ معنى النشوز14 (المادة 74)، إن تمردَ وجبَ تأديبهُ “لوليّ الأنثى المحرم أن يضمّها إلى بيتهِ إن كانت دونَ الأربعينَ من العمرِ ولو كانت ثيباً، فإذا تمردت عن متابعتهِ بغيرِ حقٍّ فلا نفقةَ لها عليه” (المادة 151).

ثنائياتُ الأضدادِ التي تطوقُ كل جنسٍ، وجدتْ طريقها في معنى الوطء/ الجماع، أي الاستعلاء/الارتفاع مقابل الاستفال/الانخفاض، فمعنى الوطء هو: “وطئ الأرضَ إذا وضعَ رجلهُ عليها ووطئ الفرسُ إذا اعتلاها، ووطئ زوجتهُ إذا جامعها وإنما سمي بالوطء لأنَّ الجماعَ فيه استعلاء”15. وكلُّ تلكَ المعاني لها ما يماثلها في الثقافةِ المجتمعيةِ، فجسدُ المرأة هو الأرضُ/ الرحمُ التي يزرعُ الذكرُ فيها البذار، ويقودُ الفحلُ جسدها كما يقودُ الفرس، واستعلاؤهُ في الجماعِ لأنه ينسجمُ “مع النظامِ الاجتماعيِّ ومع البنى الذهنيةِ المتحكّمةِ في الجماعةِ التي كانت ترى أنَّ (المرأة هي الأرضُ المزروعةُ) وأنَّ الرجلَ (استأجرها بالمهرِ كما يستأجرُ الأرضَ) ليحرثَ فيها ويُلقي بذره. وبناءً على ذلك، اعتبرَ استلقاءُ المرأة وعلوّ الرجلِ عليها (من تمامِ قواميّة الرجلِ على المرأة)”16.

تَرَسّخَ مفهومُ الوعاءِ المستأجرِ لجسدِ المرأة بالمهرِ الذي أفردَ له القانونُ أحكاماً متعددة، ومنها أنه إذا كانت البضاعةُ مغشوشةً –الجسدُ فاقدٌ عذريتَه –”إذا تزوجَ شخصٌ بنتاً على أنها باكر ثم ظهرَ أنها ثيبٌ فإن كان عالماً بذلكَ قبلَ دخولهِ بها فليسَ لهُ حقُّ المطالبةِ بشيءٍ من المهرِ أو الجهازِ، وإن لم يعلمْ ذلكَ إلا بعد الدخولِ بها فلهُ استرجاعُ نصف المهر…” (المادة 307/ د)، وحينَ استخدمَ المشرّع “أجرة الحضانة” (المادة 142) و”أجرة الرضاع” (المادة 102) وهي مهنةٌ تمَّ استحضارها من عصورٍ قديمةٍ، و لا أجدُ أقوى من رمزيةِ معنى حجبِ ولايةِ المرأةِ على أطفالها، فهي حكراً على الأبِ ثمَّ الجد العصبيّ ثمّ للعصباتِ من الذكورِ (المادة 170).

تحوي المنظومةُ القانونيةُ بحراً من الاضطهادِ للمرأةِ، وأجدُ أنَّ تجاهلها بذريعةِ أنها سرديةُ خطابِ موجةِ النسويةِ الأولى قد يحرمنا من تحليلها اجتماعياً وسياسياً كإطارٍ لحراسةِ الهيمنةِ الذكوري

إنَّ حفرياتِ جذورِ العنفِ تجاه الجسدِ في ثقافتنا وتراثنا يجب أن يُسلّطُ الضوءُ عليها تفكيكاً ونقداً، كمفاتيحَ لفهمِ قعرِ العقليةِ الذكوريةِ المهيمنةِ، وبضمنها العقليةُ الفحوليةُ ودلالاتها وتمثلاتها ومخيالها؛ والثنائياتُ التي تفرزها وتتسيّد كلَّ المجالاتِ والطبقاتِ في الحيزِ العامِّ والخاصّ، وتغوصُ عميقاً وتجلبُ معها مفاهيمَ طاردةٍ لقيمِ المواطنة.

سيساهمُ هذا التفكيكُ والنقدُ في تحوّلِ مجتمعاتِ الانضباطِ والرقابةِ وأدواتها التأديبيةِ وما تنتجهُ من تراتبيةٍ وأدوارٍ اجتماعيةٍ وعنفٍ إلى مجتمعاتٍ تُعلي قيمَ حقوقِ الإنسانِ وحريتهِ في أفكارهِ وجسدهِ وضميرهِ، فالتغييرُ الاجتماعيُّ وتغييرُ العقلياتِ عادةً ما يتمُّ ببطءٍ وبالتدريجِ، ولكن بإمكانِ العقلِ النقديّ إحداثَ قفزاتٍ بإنتاجِ خطابٍ بديلٍ يتمُّ تداولهُ في الحقولِ الفكريةِ.


(newsyrian.net) نشرت هذه المقالة في السوري الجديد في شهر كانون الأول من عام ٢٠١٧


الهوامش

  1. هيومن رايتس ووتش، كشف النقاب عن مراكز التعذيب، 3 يوليو 2012: https://www.hrw.org/ar/news/2012/07/03/246821
  2. هيومن رايتس ووتش “الهجمات على الغوطة” 10 سبتمبر 2013: https://www.hrw.org/ar/report/2013/09/10/256469
  3. المصدر “وحوش بشرية: هكذا يعمل شبيحة الأسد” 26 نوفمبر 2014  https://bit.ly/3rluduS
  4. فيسبوك “شبكات أخبار سوريا المتحدة 19/ 5/ 2012. https://bit.ly/30lYFcw
  5. أخبار السوريين “عصام زهر الدين يسابق (أبو عزرائيل)  في حفلات تقطيع الجثث” 16 مايو 2016   https://bit.ly/38fK3zy
  6. يوتيوب “العميد عصام زهر الدين غريندايزر قوات النظام بديل جامع جامع يجر جنزير دبابة” نشر في 19/ 10/ 2013. آخر مشاهدة 11/ 22/ 2017: https://youtu.be/7YWYf7-5eTA
  7. يوتيوب “أم الكل” 21/ 3/ 2017: https://www.youtube.com/watch?v=PMgim4wQrqE
  8. صفحة عاجل الإلكترونية “لبوات الأسد قناصات سوريات لحماية النظام في ضواحي دمشق” 6 مارس 2015: http://www.ajel.sa/international/1544961
  9. زلال جكر: حرية القائد الكردي عبد الله أوجلان تعني حرية المرأة، 17 حزيران 2014: https://bit.ly/2Oq0dPX
  10. وكالة أنباء هاوار “مظاهرات حاشدة في الجزيرة تطالب الحرية لأوجلان” 17/ 5/2017. https://bit.ly/30iCG6j
  11. حرية القائد آبو هي حرية البشرية جمعاء، 9/ 8/ 2017. أثناء تنظيم مؤتمر ستار في عفرين، قالت ثريا مصطفى “…نحن كنساء نقول لا نريد حرية المرأة بدون حرية القائد عبد الله أوجلان”. https://bit.ly/3roY8Cl
  12. وكالة أنباء هاوار “أهالي كوباني يشيعون جثمان المناضلة هيفيدار سرحد” 26/ 4/ 2016.  https://bit.ly/2O1arXl
  13. مركز إعلام وحدات حماية المرأة “الشهيدة هيفدار تحولت إلى شعلة من النور حول القائد آبو” 20 نيسان 2016: http://ypjrojava.com/ypj/ar/category/pakrewan/page/2/
  14. وضح قانون الأحوال الشخصية العام معنى النشوز في المادة 75 “الناشز هي التي تترك دار الزوجية بلا مسوغ شرعي أو تمنع زوجها من الدخول إلى بيتها قبل طلبها النقل إلى بيت آخر”.
  15. المعاني:  https://bit.ly/2O0e93r
  16. كتاب “الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية – دراسة جندرية” لآمال قرامي، المدار الاسلامي – صفحة 685.

الجيش والعلاقة المدنية – العسكرية في الدستور

تاريخيًا، على الرغم من الانقلابات العسكرية المتتالية في سورية، لم يسعَ المشرعون الدستوريون، نساء ورجالًا، إلى ضبط العلاقة المدنية – العسكرية في النصوص الدستورية، حيث كانت النصوص إما مقتضبة، مثل (المادة 30) الواردة في دستور 1950 التي تنص على أن “الجيش حارس الوطن، وتنحصر مهمته في الدفاع عن حدود الوطن وسلامته”، أو فضفاضة/ مرنة، تتيح تأويلًا وتفسيرًا وانقضاضًا على أي تحرك سياسي محتمل، مثل (المادة 11) في دستور 1973، في الباب الأول (الفصل الأول)، التي تنص على أن “القوات المسلحة ومنظمات الدفاع الأخرى مسؤولة عن سلامة أرض الوطن، وحماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية”، والتي ساوت بين الجيش ومنظمات الدفاع الأخرى، غير المذكورة، في المسؤولية عن سلامة أرض الوطن، وأوكلت إليهم حماية أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية، من دون قيود أو ضوابط أو توضيح حول كيفية حماية تلك الأهداف، وماهية تلك الأهداف. وتركتها عبارة مطاطة وذريعة ليتدخل الجيش ومنظمات الدفاع الأخرى في الحياة السياسية، وجعلت من الجيش جيشًا عقائديًا وغير حيادي، ولاؤه لحزب البعث “قائد المجتمع والدولة” (المادة الثامنة في الدستور(.

وفي نص (المادة 11) من دستور 2012 التي جاء فيها “الجيش والقوات المسلحة مؤسسة وطنية مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني”، دُعم انحياز الجيش السوري إلى النظام الحاكم وحماية أمنه، وقيامه بالقمع والقتل والتدمير بشتى صنوف الأسلحة حتى المحرّم منها دوليًا. وافترضت عبارة “خدمة مصالح الشعب وحماية أهدافه وأمنه الوطني” أن الشعب كتلة صماء، وله أمن ومصالح عقائدية واحدة، وأن هناك جيشًا عقائديًا يجب عليه حماية تلك المصالح والأهداف. وهو نصّ يحتمل التأويل حول المقصد من مصلحة الشعب وأهدافه، وحول المسؤول عن تحديدها!

إن النصوص الدستورية الدقيقة والواضحة التي تقيّد الجيش، دستوريًا، كما في دساتير العديد من الدول التي نصت على حياده، والرقابة المدنية عليه من قبل مجلس الشعب/ البرلمان، وتبعيته لحكومة منتخبة ديمقراطيًا، غيرُ كافية دون التنصيص على استقلال القضاء، وفصل السلطات، ومنع المحاكم الاستثنائية بعد حلّها، وتفعيل المحكمة الدستورية، وإلغاء القوانين والمراسيم التي تكرس الإفلات من العقاب.

 يتيح الاطلاع على بعض القيود الدستورية المتعلقة بالجيش، في عدد من الدساتير، المناقشة لتحليل ما يناسبنا في دستور المستقبل؛ فالجيوش غير الحيادية تسبب الكوارث، حين تنحاز إلى طاغية أو إلى حزب سياسي، أو حين تقود انقلابًا أو تدعم انقلابًا.


بعض القيود الدستورية على أفراد القوات المسلحة في العديد من الدساتير:

الترشح في الانتخابات والتعيين كوزراء:

ورد في دستور الإكوادور[1]: “لا يجوز ترشيح الأشخاص المذكورين لانتخابات عامة: (أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية القائمون على رأس عملهم).

كما قيّد الدستور[2] أحقية أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة القائمين على رأس عملهم، بأن يصبحوا وزراء، كما يلي: “لا يحق للأشخاص المذكورين أن يصبحوا وزراء دولة: (أعضاء القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية القائمين على رأس عملهم”(.

ونصّ الدستور الإسباني[3] على ما يلي: “يحدد قانون الانتخابات أسباب عدم أهلية النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، وأسباب تنافي تقلدهم لمهام أخرى وعضويتهم بالبرلمان، وهي تخص في جميع الأحوال من يلي ذكرهم: (العسكريين المحترفين وأعضاء قوات وهيئات الأمن والشرطة خلال تقلدهم لمناصبهم)”.

وأجاز الدستور الإيطالي[4] وضع قيود على العسكريين وضباط إنفاذ القانون، وعلى الحق في المشاركة بالعضوية في الأحزاب السياسية كما يلي: “يجوز للقانون وضع قيود على حق المشاركة بالعضوية في الأحزاب السياسية، بالنسبة إلى القضاة والعسكريين في الخدمة، وضباط إنفاذ القانون، والممثلين الدبلوماسيين والممثلين القنصليين في الخارج”.

واشترط دستور البيرو[5] عدم جواز انتخاب أفراد القوات المسلحة والشرطة الوطنية الموجودين في الخدمة، ما لم يكونوا قدموا استقالتهم من مناصبهم قبل ستة أشهر من الانتخابات، كما يلي: “لا يجوز انتخاب هؤلاء الأشخاص، كأعضاء في البرلمان الوطني، ما لم يكونوا قدّموا استقالتهم من مناصبهم قبل ستة 6 أشهر من الانتخابات: (أفراد القوات المسلحة والشرطة الوطنية الموجودين في الخدمة الفعلية”(.


الحياد السياسي، وعدم جواز استخدام أسلحتهم أو مناصبهم أو وظائفهم للتدخل في الأمور السياسية:

نص الدستور البرتغالي[6] على أن “تخدم القوات المسلحة الشعب البرتغالي، وليس فيها أي مجال للانتماءات الحزبية. ولا يجوز لأفرادها استخدام أسلحتهم أو مناصبهم أو وظائفهم للتدخل في الأمور السياسية على أي نحو“.

كما نص الدستور التونسي[7] على أن “الجيش الوطني جيش جمهوري، وهو قوة عسكرية مسلحة قائمة على الانضباط، مؤلفة ومنظمة هيكليًا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام. ويدعم الجيش الوطني السلطاتِ المدنية وفق ما يضبطه القانون”.

ونص دستور جنوب إفريقيا[8] على أنه ”لا يجوز للأجهزة الأمنية، ولا لأي من أفرادها، في سياق ممارستهم لمهامهم، الإخلالُ بمصلحة لحزب سياسي، تكون مشروعة بموجب الدستور؛ أو دعم أي مصلحة لحزب سياسي، بطريق الانحياز إليه”.

أما دستور فنزويلا[9] فقد نص على ما يلي: “يتمتع أفراد القوات المسلحة الوطنية القائمين على رأس عملهم، بحق التصويت بموجب القانون، ولكن لا يجوز لهم الترشح لمنصب يتم شغله بتصويت شعبي، أو المشاركة في أعمال الدعاية السياسية، أو القتال ضمن ميليشيات، أو التبشير الديني“.


عدم التمييز بين أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة، وعدم استفادتهم من امتيازاتهم على حساب حقوق الاشخاص:

ورد في دستور الإكوادور[10] عددٌ من النقاط المهمة:

“لا يجوز التمييز في عملية قبول من يرغب في الانضمام إلى القوات المسلحة أو قوة الشرطة. وينص القانون على الشروط المحددة للحالات التي تتطلب مهارات أو معارف أو قدرات خاصة.

يخضع أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية لقوانين محددة، تنظم حقوقهم والتزاماتهم وترفيعاتهم وترقياتهم على أساس معايير الجدارة والإنصاف الجنساني. وأمنهم الوظيفي وتطورهم المهني مكفولان.

لا يجوز حرمان أفراد القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية من رتبهم ومعاشاتهم التقاعدية وأوسمتهم وثناءاتهم، إلا للأسباب المنصوص عليها في هذه القوانين، ولا يحق لهم الاستفادة من الامتيازات الناجمة عن رتبهم على حساب حقوق الأشخاص”.


جندرة اللغة الدستورية:

استخدم دستور المغرب[11] لغة جندرية: “يُساهم كل المواطنات والمواطنين في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية، تجاه أي عدوان أو تهديد“.


الخضوع للدستور ولسلطة مدنية، والمسؤولية عن الأوامر المعطاة، ومسؤولية المرؤوسين في تنفيذها:

ورد في دستور الإكوادور[12] ما يلي: “تمتثل القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية للأوامر، ولا تناقشها، وتؤدي مهمتها بدقة، وتخضع للسلطة المدنية والدستور.

سلطات القوات المسلحة وقوة الشرطة الوطنية مسؤولة عن الأوامر المعطاة. ولا تعفي إطاعة أوامر الرؤساء المرؤوسين الذين ينفذونها من المسؤولية”.


قيود على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية:

ورد في دستور الإكوادور[13] أيضًا ما يلي: “لا تشارك القوات المسلحة إلا في أنشطة اقتصادية تتعلق بالدفاع الوطني، ويمكن أن تقدِّم وحداتها دعمًا للتنمية الوطنية، بموجب القانون”.


حظر الخدمة العسكرية الشخصية، وأداء الخدمة بكامل كرامة الشخص واحترامه:

حظر دستور الباراغواي[14] الخدمة العسكرية الشخصية كما يلي: “تُحظر الخدمة العسكرية الشخصية التي لا ينصّ عليها القانون، أو الخدمة العسكرية المنظَّمة لفائدة أو ربح أشخاص أو كيانات خاصة”. ونصّت الفقرة ذاتها على أنه “يجب أن يكون أداء الخدمة العسكرية بكامل كرامة الشخص واحترامه، وألا تتجاوز مدتها 12 شهرًا في زمن السلم”.


طوعية الخدمة المدنية العسكرية، وحظر التجنيد القسري:

ورد في دستور الإكوادور[15] “الخدمة المدنية العسكرية طوعية، وتؤدى في إطار احترام التنوع والحقوق، وتُدعم بتدريب بديل في مجالات مهنية مختلفة تسهم في تنمية الفرد ورفاهية المجتمع. ولا يجوز اصطحاب من يشارك في هذه الخدمة إلى مناطق ذات أخطار عسكرية كبيرة. وتحظر كافة أشكال التجنيد القسري”.


المستنكفون ضميريًا عن الخدمة العسكرية:

نص دستور الباراغواي[16]على ما يلي: “على المستنكفين ضميريًا أن يؤدوا خدمة تفيد السكان المدنيين، من خلال مراكز لتقديم المساعدة يحددها القانون وتخضع للولاية المدنية. وينبغي ألا يكون تنظيم هذا الحق أو ممارسته ذا طابع عقابي، أو أن يفرض أعباءً تفوق تلك التي تفرضها الخدمة العسكرية”.


قيود على وزير/ة الدفاع:

نص دستور هندوراس[17] على أن: “يكون وزير الدولة [ذكرًا/ أنثى]، في مكتب الدفاع الوطني، مواطنًا [ذكرًا/ أنثى] يفي بالمتطلبات التي يحددها هذا الدستور والقوانين الأخرى؛ ويرأس القيادة المشتركة الرئيسة للقوات المسلحة قائدٌ أو مسؤول كبير، برتبة عقيد في القوات أو ما يعادل هذه الرتبة، في الخدمة الفعلية، ويتمتع بالمزايا وبالقيادة، ويكون هندوراسيًا بالولادة، ويفي بالمتطلبات التي يحددها القانون. ولا يجوز لأحد أقرباء رئيس الجمهورية أو من يحل مكانه قانونًا، من الدرجة الرابعة من القرابة والثانية من المصاهرة، أن يكون رئيسًا للقيادة المشتركة الرئيسة“.


إن النقاش المجتمعي، حول دور الجيش وكسر قدسية حساسيته (التي رسخها الأسد الأب) لا يقلّ أهمية عن رفض تسويق التسوية المفروضة، من خلال كتابة دستور لنا، قبل انتقال سياسي حقيقي، وهو يؤول بالضرورة، إلى إخراج جذر الصراع من الحل السياسي مع النظام الحاكم، كما تمّ إخراجنا، كسوريين/ات، من ملكية العملية السياسية.

ختامًا، إن إعادة هيكلة القطاع الأمني (الجيش، الأجهزة الأمنية، الشرطة…) من خلال عدالة انتقالية تحولية بعد انتقال سياسي حقيقي، هي فرصة جوهرية لتفكيك بنية الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية تلتزم بحقوق الإنسان.


نشرت هذه المادة من قبل مركز حرمون للدراسات المعاصرة بتاريخ 29 نيسان/أبريل 2020. للاطلاع: https://bit.ly/2Nx4Abo


المراجع:

[1] – دستور الإكوادور، 2008 (المعدل في 2015)، في الباب الرابع، الفصل1، القسم 6، المادة 113.

[2] – دستور الإكوادور، الباب الرابع، الفصل 3، القسم 1، المادة 152.

[3] – دستور إسبانيا، 1978 (المعدل عام 2011) في الباب الثالث، الفصل الأول، المادة 70-1.

[4] – دستور إيطاليا، 1947 (المعدل في عام 2012) في الجزء الثاني، الباب الثالث، القسم الثاني، المادة 98.

[5] – دستور البيرو، 1993 (المعدل في عام 2009) في الباب الرابع، الفصل الأول، المادة 91.

[6] – الدستور البرتغالي: 1976 (المعدل في عام 2005)، في الجزء الثالث، الباب العاشر، المادة 275.

[7] – دستور تونس: 2014، الفصل 18.

[8] – دستور جنوب أفريقيا، 1996 (المعدل في عام 2012) في الفصل 11- 199.

[9] – دستور جنوب أفريقيا، 1996 (المعدل في عام 2012) في الفصل 11- 199.

[10] – دستور الإكوادور، 2008 (المعدل 2015)، في الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 160.

[11] – دستور المغرب، 2011، الباب الثاني، الفصل 38.

[12] – دستور الإكوادور، فيالباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 159.

[13] – في الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 162.

[14] – دستور الباراغواي، 1992 (المعدل في عام 2011) في الجزء الأول، الباب الثاني، الفصل الحادي عشر، المادة 129.

[15] – دستور الإكوادور، الباب الرابع، الفصل 3، القسم 3، المادة 161.

[16] – دستور الباراغواي، 1992 (المعدل في عام 2011) في الجزء الأول، الباب الثاني، الفصل الحادي عشر، المادة 129.

[17] – دستور الهندوراس، 1982 (المعدل في عام 2013) في الباب الخامس، الفصل العاشر، المادة 279.


تعريف بالمنصة

منصة سياسية نسوية

منصة تُعنى في نشر رؤى سياسية – نسوية تتحدى البنى القمعية والأبوية والبطريركية والاستغلالية المتعددة التي تعطي شرعية للاستبداد وللتمييز وللعنف الممأسس والمبني على النوع الاجتماعي/الجندر.

منصة تُعنى بنشر انتاجات معرفية سياسية – نسوية تتعامل بندية مع انتاجات معرفية ذات رؤية أحادية، وتفككها وتنقدها من أجل المساهمة في هدمها، وتقدم رؤية يمتزج فيها وعي وفكر نسوي في عدة مجالات من أجل سياسات تحقق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة الجندرية.